الشاعرة الأمريكية لويز غلك
 1943
مقالات وقصائد

إعداد وترجمة
د. فائز يعقوب الحمداني


مقدمة
تعتبر لويز غلك من الأصوات الشعرية المهمة في الشعر الأمريكي المعاصر. وقد نوهت بها الموسوعة البريطانية التي أشارت في معرض حديثها عن السيرة الإبداعية للشاعرة إلى أنها في مجموعتها الشعرية الأولى (ولد لأول مرة -1968 )استعملت تشكيلة منوعة من الشخصيات الساخطة والغاضبة مما أزعج بعض النقاد ، لكن سيطرة غلك على اللغة بشكل رائع واستعمالها البارع للقافية نال استحسان آخرين. بالرغم من أن وجهة نظر العمل ككل كانت متجهمة
أظهرت غلك في مجموعتها (البيت قرب المستنقع -1975 ) سيطرة أعظم على الصوت الشعري. كما اكتسبت شخصياتها أبعادا تاريخية وأسطورية . واصبح تبنيها المتنوع للمنظور بارعا جدا . تحاور قصائدها في مجموعة (نصر أخيل -1985)،- التي حازت على جائزة حلقة نقّاد الكتاب الوطنية للشعر-، المواضيع الأسطورية الكلاسيكية، و القصص الخرافية، والتوراة. هذه الاهتمامات استمرت في مجموعة أرارات (1990)، التي امتدحت لأمانتها اللاذعة تجاه العائلة والنفس .
تتضمّن أعمالها التي تلت : السوسن البري (1992) والمروج 1996 (أو أول خمسة كتب في الشعر1997 ) إضافة إلى أنها نشرت كتاب (أفضل شعر أمريكي 1993)

***

تشير كرستين أتكنز في مقالتها (تمني القصيدة الأخرى ) إلى أن لويز غلك تخاطب مواضيع الرفض والفقدان والعزلة داخل اللغة الخادعة ببساطتها الدقيقة بتقنيتها .
وتضيف الى ان غلك - التي الفت ثماني مجاميع شعرية بالإضافة إلى مقالاتها وتنظيراتها وآرائها - تشغل قصائدها القارئ بمباشرتها المثيرة التي تباغت القارئ في خصوصية لغتها العامية الملتوية. وتضيف كرستين اتكنز : إن المركزي في معظم أشعار لويز غلك هو الراوية المنعزلة عن عائلتها او التي تشعر بالمرارة من رفض مشاعرها أو المصابة بخيبة أمل لعدم قدرتها على العطاء).
كما أشارت هيلين فيندلر في مقاربتها التقدية حول اشعار لويز غلك الى أن قصائد لويز غلك ، تدعو لإشراك القارئ من خلال ملء فراغات القصة وان نستبدل أنفسنا بالشخصيات الخيالية فيها، نخترع السيناريو الذي يستطيع المتكلّم من خلاله أن يحلّ الحكاية. . . ”
. . ” بعد قراءات عديدة تتخلى أشعارها عن كآبتها الأصلية لتمنح إحساسا بالجمال الشاعري (للعالم المتهاوي”).
تركز غلك في مقدمة كتابها ( مختارات من الشعر أمريكي- 1993 )"على العمل من خلال تصور مفهوم "الصوت." إن الفرق الأساسي الذي يميّز الصوت في الشعر عن الصوت كما هو مستعمل في أنواع أخرى من الكتابة هي الطريقة التي يتعشق فيها الصوت الشعري بعنصري الملاحظة الدقيقة والفطنة، حين يستمع بحرص إلى ما يقال ويدمج حس المراقبة ذلك بلغته الخاصة . بالتالي تبدو مصمّمة على تعريف الذكاء الشعري." في نفس المقدمة في قولها:
القصيدة التي تخطئ في مخاطبة الإدراك المتفوق، هي إدانة للذكاء ، في محاولتها إيصال الحكمة إلى القراء ! . بالرغم من أن مثل هذا القصيدة قد تنظم بشكل مثير وقد تصل لحظة الذروة . إنها تفتقد إلى الدراما : إذ تصل نياتها بشكل مبكر . يظهر انتماؤها للأسطورة بلا ألفة عميقة في تصميمها : الأسطورة ليست صيغة . مثل هذه القصائد حيث تستبدل الصفة الاسم؛ تعرض العالم مغمورا بالدلالة الأسطورية. لكن في ارادتها، تفتقر إلى قدرية الأسطورة، عجز الأسطورة أمام الأقدار . بدلا من ذلك، بداهة يستثمر كل شيء كنتيجة في الأداء البطولي. اعتقد ان الذكاء الشعري غير معني بهذا الاستثمار ،هو حذر بطبيعته من افتراضات الأسطورة . ويستخلص طاقته من رغبته في رمي الاستنتاجات بوجه الدليل، رغبته، في الحقيقة، لنبذ أيّ شئ.

...

احتوت مجموعتها الشعرية (السوسن البري)على 54 قصيدة ، كتبت في عشرة أسابيع -وهي فترة تعطي الكتاب طابعا موسميا يبدأ في الربيع ليصل إلى نهاية الصيف . تظهر أشعار هذه المجموعة (الفائزة بجائزة بوليتزر) حوارا ابستميولوجيا عقيما بين الشاعر والرب وعالم الطبيعة. كما يظهر في قصيدة “ العشب الساحر,” حيث يمسك العشب الضار البستاني بتحد ،محتجا:
“ أنا لست بحاجة إلى مدحك
لكي أبقى ، أنا كنت هنا أولا
قبل أن تكون هنا ، قبل أن تكون ،
قد زرعت حديقة
وأنا سأكون هنا عندما تترك الشمس والقمر فقط والبحر، والحقل الفسيح.
أنا سأكون الحقل".
تدون الشاعرة خسارتها مرارا وتكرارا و في نفس الوقت تناغي الشيء الذي فقدته .
في (صلاة الغروب ) ترثي :
كم هو مسكر هذا العالم ،
كم هو مفعم بالأشياء التي لا تعود لي --. .
ما اللاشيء الذي كنته
لكي تتغير بهذه السرعة
إلى صورة وعطر –
في كل مكان أنت ، مصدر الحكمة والألم. ”
في غياب الرب المحبّ، تكون مهمّة الشاعر في أن يحتفل بروعة عالم الطبيعة عن طريق اللغة ، وليحدد مكان الباب في نهاية المعاناة حيث ,
من مركز حياتي .. تدفقت نافورة عظيمة، زرقاء
ظلال على مياه البحر اللازوردي. ”

تبسط غلك في أحدث كتبها (المروج -1996) الأسطورة القديمة لاوديسيوس وبينولوبي على أرضية معاصرة متحدثة عن النزاع الزوجي والفراق. يستدعى العنوان كلا المعنيين الأبدي والمعاصر -ملمحا إلى الوجود الرعوي الخالد مع ملعب الكرة في نيوجرسي .تناقض العالمين المجموعين على أرضية واحدة يجمع ما هو عال فنيا وما هو مبتذل :
“ شيء واحد كرهته فيك دوما
أكره أنّك ترفض
أن يكون عندي أناس في البيت. فلوبيرت
كان عنده أصدقاء أكثر وفلوبيرت كان منعزلا.
كان فلوبيرت مجنونا ويعيش مع أمّه. ”
تحمل بينولوبي غلك شبها اكثر بالزوجة المعاصرة بزوجها المنكوب بها من تلك التي في الأسطورة، حيث تهكمها وعدوانيتها في أمور الحبّ بالكاد يمكن احتواؤها . انها تحثّ روحها على ترقب اوديسيوس، و تضيف:
“ آه، يجب أن تحيّيه ,
يجب ان تهزي غصن الشجرة لتستدعي انتباهه
لكن بعناية، بعناية، خشية أن
يدمّر وجهه
بالكثير من الإبر الساقطة. ”

تدافع غلك في مقالتها المتأملة "(تعثر، تردد، صمت-1994)عن جمال التناقض واللغة البسيطة التي أشارت إليها في مقالتها "تعليم الشاعر." في هذا العرض الأكثر تقدّما - حيث علم الجمال متجذّر في الإحساس كقطعة فنية مستفزة بشكل لا نهاية له- تناقش غلك اعمال الشعراء : ريلكه ، بيريمان و إليوت – باعتبارها نماذج لممارسة ما لا يقال من الشعر. حيث يغادرونها إلى منطقة الاقتراح .
تقول غلك (الذي أشترك به مع [شعراء في جيلي هو الطموح؛ ولكني اختلف معهم في تعريفه . أنا لا أعتقد أن المزيد من المعلومات يجعل القصيدة أغنى. أنا مأخوذة بالحذف، بما لا يقال ، بالاقتراح، مأخوذة بالصمت المقصود البليغ . بالنسبة لي، يمارس المسكوت عنه تأثيرا عظيما: في أغلب الأحيان أتمنّى أن تكون كامل القصيدة من هذه المفردات. إنها مماثلة لما هو غير مرئي على سبيل المثال: إلى قوّة الخراب، إلى القطعة الفنية المتضرّرة أو الناقصة. تلمّح مثل هذه الأعمال حتما إلى سياقات أكبر؛ إنها مطاردة لنقصها، رغم إن اكتمالها ضمني: في زمن آخر , عالم كانت فيه مكتملة ّ، أو كادت ّ. ليس هناك لحظة حيث يحس فيه بيتها الأول بأنه متحف . … يبدو لي بأنّ ما يريده الفنّ، أن يسخّر قوّة اللامنتهي. كلّ التجربة الدنيوية جزئية. ليس لأنها ببساطة ،شخصية لكن لأننا لا نعرف، بان معرفتنا بالكون و الفناء، أكثر بكثير مما ندعي معرفته . اللامنتهي أو المحطّم يشارك في هذا اللغز . إنّ المشكلة أن تجعل الكل لا يخسر هذه القوّة) .

تعطي فصول كتاب (إثباتات ونظريات ) للشاعرة لويز غلك، صورة عن تأملاتها المختلفة حول حرفة الكتابة وحياة الشاعر. مؤكدة على التجربة الأساسية للشاعر. ”وهي إحساسه بالعجز إذ أن معظم الكتاب يقضون الكثير من الوقت تحت طائل عذابات مختلفة: انتظار الكتابة أو عدم القدرة على الكتابة أو انتظار أن يكتبوا بشكل مختلف وعدم قدرتهم على الكتابة بشكل مختلف ، وهل أن الحياة تكبر بالحنين؟ ، وهل يمكن أن تكون هادئة عند تحقيق الطموح؟.
تتمثل رؤية لويز للفنان في شعرها ومقالاتها بأنه الذي يحول يأسه إلى إبداع. بمعنى، انه يكافح في محاولة تحقيق المستحيل ، ويشغله التطلع اكثر من البقاء . رغم ذلك يدخل الشاعر_ في شريعة لويز غلك_ ، الكلمة الأخيرة بثبات، وتعرقل القصيدة مسار الحزن واليأس اللذين يرافقان العالم الحديث، وتشجّعنا، قبل كل شيء، على التمسك بالأمل:
“ تمنّيت الذي أتمنّى دائما
تمنّيت قصيدة أخرى. ”


من قصائد لويز غلك
 

لم اكن معنية بان اسمع
كانا يتحدثان
لكني أحسست بضوء المصباح ،يكف عن الارتعاش، كما لو أنه وضع على المنضدة. ما كنت لاسمع
أحدهما يقول للآخر
ما افضل طريقة لإثارتي،
بأي الكلمات أو الإيماءات
ولا كنت لاسمع وصفه لجسدي
كيف رد
ما، الذي لم يكن ليفعله. استدرت
درست الأصوات، سرعان ما ميزت
الأول، كان عميقا وقريبا، عن ذلك البديل.
كل ما اعرفه ؛ ان هذا كان يحدث كل ليلة: أحدهم يوقظني
الأول يعلّم الثاني.
ما الذي يحدث بعدئذ
بعيدا عن العالم، في الأعماق
حيث يعنينا الحلم فقط،
والرابطة مع أي روح،
بلا معنى؛ حيث ترميها بعيدا.

ماراثون /المقطع التاسع1987
 


البركة

يغطي الليل البركة بجناحيه.
تحت ضوء الهلال أستطيع ان أتصور وجهك
يسبح بين الأسماك الصغيرة وانعكاسات النجوم. في نسيم الليل وجه البركة معدني.
في عينيك. أرى ذكريات أميزها. كما لو كنا صغارا. مهرانا يرعيان على التل
رماديان ببقع بيض.
الآن هما يرعيان
مع الموتى المنتظرين
مثل الأطفال تحت دروع الغرانيت،
مرتخين وعاجزين:

إنّ التلال بعيدة. ترتفع ابعد من الطفولة.
ما الذي تراه ، مستلق بهدوء تام على الماء؟


البيت قرب المستنقع1975
 


الخوف من الدفن

في الحقل الفارغ، في الصباح،
ينتظر الجسم لكي يسجّى .
بجانبه تجلس الروح ، على صخرة صغيرة -
لا أحد يأتي ليمنحها هيأه من جديد .

فكّر بوحدة الجسد،
في الليل، يذرع الحقل المشذّب
الظل يتغضن حوله
يالها من رحلة طويلة.
وهناك ترتجف الأضواء البعيدة للقرية ، لا تتوقف من اجله وهي تمسح الطرقات
كم تبدو بعيدة،
الأبواب الخشبية والخبز والحليب
وضعت كأي شيء على المنضدة.


الشكل المنحدر. 1980


عذاب سايرس

أتأسف بمرارة لكل السنوات التي أحببتك فيها في حضورك وغيابك ، آسفة
القانون والعمل اللذان منعاني من الاحتفاظ بك ، البحر
صفحة من زجاج ، جمال السفن اليونانية المقصور بنور الشمس : كيف لي أن امتلك القوة ان لم تكن لي الرغبة في أن احوّلك:
وأنت تعشق جسدي،
حيث وجدت هناك العاطفة التي حملنا بها كل الهبات الاخرى، في تلك اللحظة
عن الشرف والأمل ، باسم تلك الرابطة
أرفضك
إحساس كهذا من زوجتك
وهي تتركك
تستريح معها، أرفضك
نم ثانية
إن لم استطع أن احصل عليك .


المروج 1986

 

المصادر
 

  1. wishing for another poem: poetry and assays of Louise gluck by Christine atkins 1997

  2. Proofs and theories (assays on poetry) by louise gluck 1994

  3. flower power: a general observation on Gluck poetry
    By Helen vendler 1993

  4. Best American poetry by Louise gluck 1994
     

رجوع